مزايا العرف وعيوبه
يتسم العرف بوصفه أحد مصادر القانون كما اشار الى ذلك محامي الكويت حسين شريف الشرهان وللعرف العديد من المزايا التي يتفوق بها علي غيره من مصادر القانون الأخرى كالتشريع مثلاً
أولاً: مزايا العرف
العرف انعكاس صادق لحاجة الجماعة
أضفت تلقائية العرف في نشأته عليه قدرا كبيرا من المصداقية في التعبير عن إرادة الجماعة وتلبية حاجاتها، إذ لا تنشأ القاعدة العرفية إلا اذا بدأت في صورة عادة أو سلوك يستحسنه الأفراد فيدرجوا علي إتباعه والعمل به بصورة منتظمة، وهذا يمثل الركن المادي اللازم لنشأة القاعدة العرفية.
ولا يقف الأمر عند حد هذا الوجود المادي ولكن يلزم لاكتساب العادة صفة العرف رسوخ العمل بها في وجدان الجماعة فتشعر بإلزاميتها وبحاجتها الملحة إليها باعتبارها جزءاً ضرورياً لا غني عنه في بنائها القانوني الذي يضبط سلوك أفرادها، بحيث يتعرض من يخالفها لجزاء مادي رادع تقرره الجماعة، وهذا يمثل الركن المعنوي اللازم لاكتمال ميلاد القاعدة العرفية بوصفها قاعدة قانونية ملزمة للأفراد.
العرف يتطور تلقائيا بتطور حاجات الجماعة
فكما أن العرف قانون تلقائي النشأة، ينشأ بصفة تلقائية استجابة لواقع الجماعة وظروفها من اعتيادها علي سلوك معين في مسألة معينة مدة طويلة بصورة منتظمة، وشعورها أيضا بإلزاميته مع فرض جزاء رادع يوقع على من يخالفه، فهو أيضا تسم بتلقائية التطور ويتغير بصورة تلقائية بتغير ظروف الجماعة وتبدل حاجتها بعدم ملائمة قاعدة عرفية معينة فتهجرها فترة من الزمن بحيث تفقد هذه القاعدة شعور الجماعة بإلزاميتها، وتدرج الجماعة على إذ لا يتصور بقاء قاعدة عرفية هجرتها الجماعة منذ زمن بعيد اتباع غيرها حتى يكتمل لها عنصرا العرف (المادي والمعنوي) ، تزول القاعدة العرفية القديمة لتحل محلها القاعدة العرفية الجديدة التي تواكب التطور الذي حدث في ظروف الجماعة، حيث لا يتصور بقاء قاعدة عرفية هجرتها الجماعة منذ زمن بعيد واستقرت علي اتباع غيرها وشعرت بإلزامية قاعدة جديدة تستجيب لمقتضيات التطور ومتطلباته.
إنه وإن كان الطابع السائد في الدول الحديثة أن التشريع اليد الطولي في ميدان التنافس مع غيره من مصادر القانون الأخرى مثل العرف، إلا أن ذلك لم يحل دون قيام العرف بأداء دور بارز الأهمية في مد المجتمع بعدد غير قليل من القواعد القانونية العرفية التي يعجز التشريع عن إفرازها رغم حاجة المجتمع إليها، فالمشرع مهما بلغ حسن تدبيره وإلمامه بظروف المجتمع وما يلزمه من قواعد تنظم شئونه لا يستطيع أن يسد المجتمع بكل ما يلزمه من قواعد، لذلك يتدخل العرف عندئذ فيكمل نقص التشريع ويفرز بصورة تلقائية القواعد القانونية التي يحتاج إليها المجتمع
ثانياً: عيوب العرف
بطيء التكوين والنشأة
يتسم العرف ببطيء التكوين والنشأة، إذ لا يكتسب السلوك الإنساني الذي ينتهجه الأفراد صفة العرف بمجرد إتيانه مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث، ولكن ينبغي أن يدرجوا على اتباعه فترة زمنية طويلة وبصورة منتظمة حتى يستقر في وجدانهم الشعور بإلزاميته بوصفه جزءا لا غناء عنه في التنظيم القانوني الذي يضبط سلوكهم.
فبينما كان العرف المصدر الأكثر اعتمادية في مرحلة كان فيه التطور الاقتصادي والاجتماعي بطيئين، ولكن الآن مع سرعة تطور المجتمع في جميع المجالات لا يمكن الاعتماد عليه لتطور المجتمع في الحالات التي تتطلب السرعة .
بطيء التطور أو التغيير
كما أن العرف بطيء في تكوينه ونشأته فهو أيضاً بطيء في تطوره وتغيره، فمن الصعب أن يهجر الأفراد سريعاً عرفاً درجوا علي إتباعه منذ فترة زمنية طويلة. ذلك أن زوال عرف ما رسخ في ضمير الجماعة وإتاحة الفرصة في نفس الوقت لإحلال عرف جديد مكانه ليواكب ظروفها الجديدة، يتطلب وقتا كافياً لفقدان العرف السابق شعور الجماعة بإلزاميته، ووقتا آخر مماثلا حتى يكتسب السلوك الجديد الذي درجت الجماعة على اتباعه صفة العرف بتوافر كل من الركن المادي المتمثل في اعتيادها على السلوك بصورة منتظمة والركن المعنوي المتمثل في شعورها بإلزامية هذا السلوك اللازمتين لنشأة العرف ولاشك أن هذا البطء ينال من قدرة العرف بوصفه أحد مصادر القانون على الاستجابة لمقتضيات التطور الإنساني في المجتمع، على الدولة تطوير القواعد العرفية الموجودة تمشيا مع ظروف التطور الجديدة .
الافتقار إلى الدقة والوضوح:
يفتقر العرف وذلك علي خلاف التشريع على قواعده طابع الدقة والوضوح، حيث لا تصاغ قواعده في قالب مكتوب بألفاظ دقيقة وعبارات واضحة تعين من يطلع عليها غير محسوسة عند اعتياد الأفراد على اتباعها بوصفها سلوكيات معينة يشعرون بمرور الوقت إلزاميتها بالنسبة لهم، دون حاجة إلى صياغتها أو كتابتها، الأمر الذي يصعب على الأفراد تحديد نطاقها وأثرها.
فالعرف يقتصر كما يقول البعض على إنشاء معنى القاعدة العرفية دون لفظها، أي أنه ينشئ مضمون القاعدة القانونية دون أن يصوغه من وقت إنشائه في صيغة معينة تعبر عن وجوده وتوضح معناه، و هو لذلك يسمى قانوناً غير مسطور الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة التحقق من وجوده، كما يثير الخلاف بين الأفراد حول حقيقة مضمونه ومعناه هذا بخلاف التشريع الذي تصب قواعده في قوالب مكتوبة اذ لا يعترف للقواعد التشريعية بالوجود القانوني إلا إذا أفرغت في عبارات ونصوص مكتوبة وبالطريقة الرسمية المقررة لنافذها فينشئ القواعد القانونية معنى ولفظا ويصب مضامينها في صيغ دقيقة المبنى واضحة المعنى، فيسهل على من يطلع عليها أن يتعرف على حقيقة معانيها.
تعددية العرف
العرف متعدد بل قد يكون محلياً خاصاً بمنطقة معينة مما يؤدي إلي تعدد القواعد القانونية، بينما التشريع موحد يطبق على الكافة لهذا يظل التشريع أول مصدر للقانون، وأهمه، لأنه يحقق وحدة القانون، والأمن، والاستقرار، إلى جانب كونه قابلاً للتطور بسرعة كلما تطلبت الأوضاع ذلك، فيتم إلغاء التشريع القديم، أو تعديله، وصدور تشريع جديد.
صعوبة الإثبات
لا شك أن تطبيق القاعدة القانونية أياً كان مصدرها أي سواء من مصدرها التشريع ام العرف- مرهون بإثبات وجودها، حيث يمكن لكل ذي مصلحة خصماً كان أو قاضياً إذا ما أراد التحقق من وجود هذه القاعدة أن يرجع إلى التقنين الذي يشتمل عليها دون عناء أو مشقة فإن إثبات وجود القاعدة العرفية بعد أمرا عسراً يتسم بالصعوبة والتعقيد، ومرد ذلك إلى أن العرف إلى جانب كونه قانون غير مكتوب، فإن به طبيعته الخاصة به من حيث النشأة والتكوين، الأمر الذي يضفي عطيه قدراً من اللبس والغموض فيتعذر على الخصوم إثبات العرب الذي بعون وجوده ويتمسكون به في منازعاتهم في سهولة ويسر.
طالع ايضا :